مجلس الشعب.. الطغيان التشريعي يبتلع الدور الرقابي

عن موقع اخوان اون لاين
تحقيق- علاء عياد
بعد سخونة اتسم بها دور الانعقاد الثاني لمجلس الشعب تمَّ فضّ الدورة البرلمانية التي احتشدت بالكثير من القضايا، بدايةً من التعديلات
الدستورية، ونهايةً بقانون الكادر الخاص للمعلمين، وإن كانت التعديلات الدستورية وقانون مباشرة الحقوق السياسية أبرز المحطات في حياة هذه الدورة التي رأينا التطبيق الفعلي لها في انتخابات الشورى الأخيرة.

وبالرغم من أن المستهدف من وراء طرح التعديلات الدستورية وهذا الكمّ الكبير من القوانين الذي وصل إلى 50 مشروعَ قانون و23 مشروعًا مهنيًّا وحسابًا ختاميًّا، وهو العدد الذي لم تشهده أي دورة برلمانية محاولة شغل نواب المعارضة وخاصة الإخوان؛ لتفويت الفرصة في محاسبة الحكومة على كثير من ملفات الفساد والإهمال.. إلا أن الكثير من الملفات فرضت نفسها وبقوة، سواءٌ قضية العبَّارة، أو أكياس الدم، وفضيحة البورصة، لتصل الأدوات الرقابية إلى عدد لم تعهده الحياة النيابية، فتمَّت مناقشة 1876 طلبَ إحاطة و2463 بيانًا عاجلاً و 28 استجوابًا و122 سؤالاً و339 اقتراحًا برغبة و4 طلبات مناقشة عامة.

هذه الدورة البرلمانية التي شهدت 131 جلسةً ليكون أكبر عدد من الجلسات يشهده المجلس منذ دستور 1971، وأعلى عدد من ساعات عمل المجلس على طول الحياة البرلمانية والتي وصلت إلى 605 ساعات.

ومع نهاية هذه الدورة كان لا بد أن نعرض كشف الحساب هذا على عدد من المتخصصين، ففي البداية يقول د. أحمد ثابت- أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة- إن هذه الدورة شهدت العديد من الظواهر والأحداث العاصفة، فقد أكد الحزب الوطني الحاكم مبدأ العصف بكل الحريات، واحتكار السلطة، وانتهاك حقوق الإنسان، وتكريس الدولة البوليسية، وتم ذلك بالموافقة على التعديلات الدستورية التي جاءت من رئيس الجمهورية دون مناقشة أو تعديل أو حتى إضافة نقطة أو فاصلة فقط!!


أحمد عز وكمال الشاذلي
مضيفًا أن موقف رئيس مجلس الشعب كان يائسًا ومزريًا ولا يليق برئيس لمجلس الشعب أن يخضع لتسلُّط زعيم الأغلبية أحمد عز، وهو ما تمثَّل في تأخير بدء الجلسات حتى يحضر عزّ كي لا تفوز المعارضة والأقلية بالأغلبية في التصويت في ظل عدم حضور الحزب الوطني، وهو ما اتضح في مناقشة قانون الاعتماد والجودة وتشريعات كثيرة!!

وأضاف ثابت أن رئيس المجلس مارَسَ تقاليدَ برلمانيةً غريبةً وشاذَّةً عندما أعاد التصويت على مادة في قانون الاعتماد والجودة، كانت تنصُّ على تبعية هيئة الاعتماد والجودة لمجلس الشعب؛ ليتم تغييرها رغم سبْق الموافقة عليها بأن تكون تابعة لمجلس الوزراء!!

وأشار إلى أن المجلس شهد في هذه الدورة تستُّرًا مروِّعًا على الفساد، كما ظهر رئيس الوزراء ووزراؤه في صورة المتواطئين في حماية الفساد والمفسدين، مثلما حدث في حادث غرق العبَّارة، وكذلك عدم مساءلة وزير الإسكان السابق على فساده وإهداره لأموال الشعب.

مضيفًا أن إجهاض رئيس المجلس أيضًا سؤالاً لأحد الأعضاء عن الذمَّة المالية لرئيس الجمهورية، ورفضه مناقشة أحداث الاعتداء على عضو مجلس الشعب عن الإخوان، والقبض على عضوَين أيضًا من الإخوان، وكذلك صمته عن إهانة المجلس ككل.. من ضباط أمن الدولة والأمن المركزي!! كما أنه لم يصرَّ على استدعاء وزير الداخلية لسؤاله عن حوادث الاعتداء.. كل هذا يؤكد ضعف رئيس المجلس الذي نصَّت لائحة المجلس أنه المُدافع الأول عن حقوق النواب.

المؤشرات
ويضيف الكاتب الكبير محمد الطويل أن الأرقام الكمية التي مثَّلت الأداء البرلماني خلال هذه الدورة لها معنى قوى، موضحًا أن المجلس كان يعمل كلَّ الأسبوع، وأن هذه المؤشرات تبيِّن الكمَّ الهائلَ من الأدوات الرقابية التي طرحت الكثير من القضايا العامة والملحَّة على الساحة، بالرغم من الزخم الهائل من القوانين التي نوقشت خلال هذه الدورة.

مؤكدًا أن المعارضة كانت خلال هذه الدورة قويةً جدًّا، وهذا فرَض على الأغلبية محاولةَ الصمود، مشيرًا إلى أن الحكومة قامت بترحيل الكثير من الموضوعات وتعليق القضايا السياسية التي كانت ستُسبَّب إحراجًا أكبر، مثل مشكلة أكياس الدم لشركة "هيدلينا"، والتعديلات الخاصة بلائحة المجلس، وهذا سيجعل بدايةَ الدورة القادمة تتسم بالسخونة.


د. محمد سعد الكتاتني
وأوضح الطويل أنه مهما بدا على السطح من خلافات في الرأي خلال هذه الدورة البرلمانية، إلا أننا وجدنا توافقًا كبيرًا بين الأغلبية والمعارضة في ختام الدورة في عدد من القضايا، وأضاف أن هناك ملحوظةً على الإخوان من خلال ممارساتهم النيابية خلال العشرين عامًا الماضية، فالنواب الحاليُّون بعضهم انفعاليٌّ أكثر من اللازم، ومثل هذا الانفعال يضيِّع الحق ويخلق جوًّا من الفوضى في المناقشة داخل المجلس، وأثنى الطويل على الدكتور محمد سعد الكتاتني لتعقُّله وهدوئه في معالجة الأمور.

اخطف واجري!!
في المقابل يرى د. عمرو هاشم ربيع- رئيس وحدة البحوث البرلمانية في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بـ(الأهرام)- أنه لم يلمس أيَّ جديد خلال هذه الدورة البرلمانية، مؤكدًا أن المخرَجات التي آلَت لها هذه الدورة البرلمانية أكثر سوءًا، مضيفًا أنه ليس هناك أملٌ في التغيير في وجود هذا النظام، مشيرًا إلى أن السمات أو المؤشرات التي ترتبط الآن بالحياة النيابية هي هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، بل إن البرلمان لم تعُد له سلطة في الحياة السياسية.

وأشار إلى أن البرلمان أصبح كرسيَّ تشريعات سلطوية أكثر مما مضى وكأنه يربِّي أسدًا ضعيفًا ليصبح كلبًا أليفًا، فالقوانين تتم بين عشية وضحاها، كما أن العملية التشريعية أصبحت بإملاءات الهيئة البرلمانية للحزب، والعجيب أنه بعد ذلك نجد الحزب الوطني ما زال مصرًّا على تسمية ما يحدث بأنها تجربةٌ حزبيةٌ، واصفًا البرلمانَ بأنه أصبح تمريريًّا أكثر منه تشريعيًّا.

وأضاف هاشم أن وقت التغيير والإصلاح السياسي لم يحِن بعْد، وأرجع ذلك إلى أن الدولة تُدار الآن بعقلية الموظفين، ولم يعُد هناك مكانٌ للفقراء، وهذا ظهَرَ في كمية الأدوات الرقابية المقدّمة لمحاربة الفساد والإهمال في هذا الشأن.

إزعاج الحكومة
وقال حسين محمد إبراهيم- نائب رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين- إن هذه الدورة من أخطر دورات الانعقاد منذ 28 سنة، وقد أعادت إلى الأذهان الدورة البرلمانية التي أقرَّ فيها مجلس الشعب معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، وأكد أن هذه الدورة كانت أشبهَ بالانقلاب الدستوري من نوَّاب الأغلبية لإجهاض الإصلاح السياسي واعتماد الفوضى القانونية بإقرار التعديلات الدستورية، كما شهدت هذه الدورة نزعَ بعضِ اختصاصات محكمة النقض وإنشاء محكمة القضاء العسكري، موضحًا أن كثرة الأدوات الرقابية والاستجوابات تدلُّ على مدى الفساد المترعرع في هذا النظام، لافتًا النظر إلى أن نواب الوطني استخدموا الأدوات الرقابية لتعطيل المعارضة عن كشف الفساد وتعرية هذا النظام.


د. أكرم الشاعر
وأشار حسين إبراهيم إلى أن رئاسة المجلس تخلَّت عن حيادها، وكانت تدعم الأغلبية على حساب المعارضة، وكان دورها ضعيفًا في كثيرٍ من المواقف التي كانت تتطلَّب تدخلاً حاسمًا منها لحماية النواب.

مضيفًا أنه منذ اليوم الأول لهذه الدورة وهناك تغوُّلٌ من السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، كما كان واضحًا استمرار سياسة الإقصاء التي مارَسَها الحزب الوطني ضد المعارضة مستدلاًّ بالحشد الذي قام به الحزب في لجنة الصحة لعدم فوز الدكتور أكرم الشاعر بمنصب الوكيل.

وفيما يتعلق باهتمام نواب الإخوان بعدد من القضايا مثل الاعتقالات في الوقت الذي لم ينفعلوا بنفس القوة مع ارتفاع الأسعار.. قال نائب رئيس الكتلة: إن اهتمام الإخوان بكل القضايا كان بنفس القدر، إلا أنه ألمح إلى أن الأمانة العامة للمجلس المكوّنة من رئيس المجلس ووكيليه والأمين العام وكلهم أعضاء في الحزب الحاكم هي التي تضع جدولَ أعمال المجلس، وبالتالي فهي حريصةٌ على عدم إزعاج الحكومة.

فيروس سحب الثقة
ويرى النائب كمال أحمد أن هذه الدورة شهدت حجمًا هائلاً من التشريعات، سواءٌ التعديلات الدستورية أو القوانين الناجمة عنها على حساب الرقابة، مضيفًا أن هذا الكم من التعديلات الدستورية جعل المجلس يلاحق ما تُحيله إليه السلطة التنفيذية، وهو ما أحدث ارتباكًا نسبيًّا في خريطة المجلس، وانعكس على الدراسة الموضوعية لهذه التشريعات؛ مما أدَّى في النهاية إلى عودة ظاهرة سلق القوانين.

مشيرًا إلى أن هذه التشريعات معظمها اتَّسم بالبُعد السياسي الذي جعل هذه الدورة ذات طابع حادٍّ وساخن بين القوى السياسية الممثَّلة داخل المجلس، وهذا أدَّى إلى انفلاتٍ غير معهود بين الأعضاء والمنصة وبين الأقلية والأغلبية، كما أصاب هذه الدورة أيضًا فيروس سحب الثقة وإسقاط العضوية لبعض الأعضاء بشكلٍ لم يعهده المجلس من قبل.

ولفت النظر إلى أن هذه الدورة اتَّسمت بظاهرةٍ لم تحدث من قبل بغياب الوزراء المختصين بالمناقشات، وذكر أن أبرز صورة لذلك استجواب كارثة العبَّارة الذي تغيَّب عنه رئيس الوزراء، مؤكدًا أن دلالة هذا هو استناد الحكومة على الأغلبية الممثلة لها داخل البرلمان.

إمبراطورية الفساد
من ناحيته اعتبر النائب الوفدي محمد عبد العليم أن هذه الدورة شهدت أسوأ تعديلات دستورية في مصر، وأكبر جريمة لتكبيل حرية المواطن المصري ووضع العقبات أمامه، وهي مؤامرةٌ على حرمان المواطن من حقٍّ كرَّمه به الله سبحانه وتعالى، واصفًا التعديلات الدستورية المشبوهة وقانون مباشرة الحقوق السياسية وإلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات بالسمّ الذي تجرَّعه الشعب المصري، مؤكدًا أن أكبر شاهد على ذلك انتخابات الشورى الأخيرة.

وأضاف أن هذه الدورة شهدت إسدالَ الستار على جريمة قتْلِ أكثر من 65 ألفَ شهيدٍ في حربَي يونيو حزيران 1956، والنكسة 1967 على أيدي الصهاينة، ولم يناقَش الاستجواب المقدّم لهذا الموضوع، كما شهدت غضَّ الطرف عن أكبر جريمة، وهي استجواب عبَّارة الموت التي راح ضحيتَها 1264 مصريًّا، ولم تتم محاسبة أيُّ مسئول لأن صاحبها من الحزب الحاكم!!


ياسر حمود
وأوضح أيضًا أنها شهدت الانتقام من المعارضين، سواءٌ بإسقاط العضوية عن محمد عصمت السادات والسكوت عن سحْل أحد المعارضين وهو النائب ياسر حمود، والصمت عن القبض على اثنَين من نواب الشعب، هما النائبان رجب أبو زيد وصبري عامر، بتدشين وتقنين إمبراطورية أكبر فاسد ومحتكر وأحد نجوم الحزب الحاكم الذي سيطر بماله الفاسد على توجيه القرار والتسويق داخل البرلمان.

عبَّارة الموت
بينما ترى النائبة جورجيت صبحي قليني أن من إيجابيات هذه الدورة نسبة الحضور العالية والمشاركة الجيِّدة، باستثناء الشهر الأخير بسبب انتخابات الشورى، إلا أنها تأخذ على نواب الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين الانسحابَ من الجلسات، وتكرار ذلك أكثر من مرة، معتبرةً أنها ظاهرةٌ غير صحيَّة، وترى أن الأفضل من الانسحاب عرض الاعتراض، وتشير إلى أن المناقشات الساخنة تُعَدُّ ظاهرةً صحيَّةً داخل المجلس في الممارسة السياسية للمعارضة.

وتعلِّق على طغيان الجانب التشريعي على هذه الدورة بأنه طالما تمَّ تعديل الدستور فلا بد من أن يتبع ذلك نفاذ القوانين الخاصة بهذا الدستور حتى لا يكون هناك فراغٌ دستوريٌّ، كما أن مجلس الشورى كان سيحلّ قبل انقضاء الدور التشريعي لمجلس الشعب، وهو ما سبَّب هذا التكدُّس لإقرار القوانين.