كشف المستور حول طلب تعديل الدستور

كشف المستور حول طلب تعديل الدستور
بقلم النائب الأستاذ صبحي صالح
جرى طلب تعديل الدستور- من السيد رئيس الجمهورية- رسميًّا بطلبٍ
قد
إلى مجلسي الشعب والشورى بتاريخ 26/12/2006م؛ وذلك استنادًا
للمادة 189 من الدستور.
وحيث إنه بالإطلاع على هذا الطلب يتضح الآتي:-
أولاً: أن هذه التعديلات اشتملت على 34 مادةً من مواد الدستور.
ثانيًا: أن هذه المواد اشتملت جميع أبواب الدستور تقريبًا ابتداءً من المادة رقم (1) وحتى المادة (205) علمًا بأن الدستور كله 211 مادة.
حيث شملت التعديلات المطلوبة شكل الدولة ومقوماتها الأساسية- والسلطة التشريعية- والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية- ومجلس الشورى- بما يستشف منه أن التعديلات المطلوبة مسَّت كل شيء في الدستور، الأمر الذي يقطع بصحة ما ذهب إليه من طالب بضرورة- تبديل الدستور- وليس مجرَّد تعديل لبعض نصوصه-؛ الأمر الذي يستوجب تشكيل جمعية تأسيسية تعكس في تشكيلها كل ألوان الطيف السياسي للشعب المصري كله بكل تياراته وأطيافه وانتماءاته السياسية والفكرية، فضلاً عن العلماء المختصين والخبراء، وهو ما لم يحدث.
وسوف ننظر إلى هذه التعديلات من زوايا ثلاث وهي:
أولاً: ما طلب السيد الرئيس تعديله
جرت المواد المطلوب تعديلها على خمسة عشر محورًا؛ وذلك على النحو التالي:-
المحور الأول : ويشمل تعديل 11 مادة جميعها خاصةً بتعديل وإلغاء كل ما يخص الاشتراكية والسلوك الاشتراكي وتحالف قوى الشعب العاملة، وما شابه ذلك (الاشتراكية وما يرتبط بها ) .
وتعديل بإضافة مبدأ المواطنة بدلاً من تحالف قوى الشعب العاملة، وكذلك إضافة مادة خاصة بحماية البيئة والحفاظ عليها.
ويلاحظ على هذا الحذف: (للاشتراكية وما يرتبط بها) أنه جرى مع الإبقاء على نص المادة 87 الخاصة بنسبة الـ 50% للعمال والفلاحين، رغم أنها من أخص خصائص الاشتراكية ومظاهرها.
- كما يلاحظ إضافة المواطنة- رغم أن هذه المواطنة مكفولة بالمواد (8 ) من الدستور- الخاصة بتكافؤ الفرص والمادة (40) الخاصة بالمساواة.
المحور الثاني :- ويشمل تعديل مادة واحدة (المادة 5) بإضافة نص يحظر قيام الأحزاب على أساس الدين أو الجنس أو الأصل؛ استجابةً لمطالب العلمانيين.
المحور الثالث :- ويشمل المادتين( 62، 94 ) وهاتان المادتان تتعلقان بحقِّ الانتخاب والترشيح- وكيفية الانتخاب والترشيح، والمقصود من هذا التعديل: العدول عن نظام الانتخاب الفردي المتبع حاليًا- إلى نظام القائمة الحزبية، وكذا تمكين المرأة من المشاركة السياسية بما مفاده: إقصاء المستقلين والتضييق عليهم، واحتكار الحياة السياسية إلى الأبد دون منازع أو منافس أو شريك.
بزعم أن الغرض من ذلك إنعاش الحياة الحزبية، علمًا بأنه من المعلوم للكافة أن أزمة الحياة الحزبية والسياسية عمومًا في مصر تكمن في قانون الأحزاب 40 لسنة 1977م، ولجنة الأحزاب الحكومية المنصوص عليها في ذلك القانون.
ولم يكن الأمر يحتاج أكثر من تعديلٍ هذا القانون أو على الأقل إلغاء هذه اللجنة لا غير.
المحور الرابع: تعديل المادة ( 74( وهي المادة الخاصة بالتدابير التي يتخذها رئيس الجمهورية لمواجهةِ الخطر، والغرض من التعديل إضافة ضمانات على ممارسة هذه السلطات من خلال اشتراط استشارة رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلسي الشعب والشورى قبل اتخاذ الإجراء.
وطبعًا هذا التعديل عبثي وغير جدي؛ وذلك للآتي:
1- أن دور هذه الشخصيات قاصر على الاستشارةِ فقط.
2- وأن هذه الشخصيات التي سيشاورها الرئيس- كلها من اختيار الرئيس- وولاؤها للرئيس.
المحور الخامس: تعديل المادة ( 76/ الفقرات 2، 3( وهي المادة الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، والغرض من التعديل: إتاحة الفرصة للأحزاب، وهذا أيضًا تعديل عبثي للآتي:
1- أن هذه التيسيرات المزعومة تكون هذه الفترة الزمنية وحدها.
2- تعمد إقصاء المستقلين.
3- الإبقاء على كل الموانع والقيود الواردة بتلك المادة المعيبة أصيلاً.
المحور السادس: تعديل المادة ( 78 ( والغرض منه: حسم الخلاف الفقهي حول بدء مدة الرئاسة الجمهورية.. متى تبدأ، وهو ما يجعله تعديل غير جدي ولا عملي؛ ذلك لأنَّ الرئيسَ في مصر يبدأ من جلوسه وبغير نهاية.
المحور السابع : تعديل المواد (82، 84/1، 85 ) وهي المواد الخاصة بحالة وجود مانع أو عائق لرئيس الجمهورية.
ملحوظة: هذه المواد خاصة بمنصب نائب الرئيس، ويسعى التعديل إلى إحلالِ رئيس مجلس الوزراء محل الرئيس عند المانع، وهو ما يُعدُّ تقنينًا لإلغاء منصب نائب الرئيس بما يعكس الفلسفة الحالية لنظام الحكم الذي يحكم واقعًا وعملاً بغير نائبٍ منذ أكثر من ربع قرن.
المحور الثامن : تعديل المادة ( 88 ( وهي المادة الخاصة بالإشراف القضائي الكامل على الانتخابات- والسعي نحو تشكيل لجنة عليا مستقلة للإشراف على الانتخابات- تكون لها صلاحيات أسطورية.
وهذا التعديل كارثة وحده؛ لأن معناه تزوير الانتخابات بنصِّ الدستور؛ وهذا التعديل كارثة لأنه:
1- إقصاء للقضاء.
2- إسناد مهمة الإشراف على الانتخابات عملاً للأمن.
3- تشكيل لجنة يختارها رئيس الجمهورية الذي هو في الواقع رئيس الحزب الحاكم للإشراف على انتخابات
الخصم فيها حزب الرئيس الذي اختار اللجنة.
4- الصلاحيات الممنوحة لهذه اللجنة تجعلها فوق السلطات الدستورية في الدولة؛ فقراراتها محضة بالمخالفة لنص
المادة 68/2 من الدستور التي تمنع تحصين أي عملٍ أو قرارٍ من رقابة القضاء، أي أنَّ هذه اللجنة أقوى وأعلى
من القضاء.
المحور التاسع: تعديل المادتان ( 115، 118 ) والخاصة بحقِّ المجلس في مناقشة الموازنة العامة والحساب الختامي- من خلال إعطاء مساحة زمنية أفضل، وكذلك حق مناقشة بنود وأبواب الموازنة العامة.
المحور العاشر : تعديل خمس مواد (127 و133 و136/1 و194 و195)
وهي خاصة بالآتي:-
1- تخفيف إجراءات تقرير مسئولية رئيس مجلس الوزراء.
2- حق مجلس الشعب في سحب الثقة دون حاجة للاستفتاء.
3- تقرير دور مجلس الشعب في منح الثقة للحكومة وحجبها.
4- حق رئيس الجمهورية في حلِّ المجلس دون حاجةٍ للاستفتاء.
5- إعطاء مجلس الشورى اختصاصات تشريعية.
وطبعًا هذه التعزيزات والصلاحيات عديمة الجدوى وشكلية تمامًا دون أي أثرٍ عملي؛ وذلك للآتي:-
1- مجلس الشعب سيشكل وفق النظام الانتخابي المقترح ودون إشرافٍ قضائي (كما قدمنا)، فضلاً عن التشكيل
التحكمي للمجلس (50% عمال وفلاحين + مقاعد للمرأة + 10 أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية) فهو مجلس
الحزب الذي جاء به الحزب.
2- أما الاختصاص التشريعي لمجلس الشورى فهو أيضًا كارثة؛ وذلك لأن تشكيل مجلس الشورى نفس التشكيل
السابق ويزيد عليه حق رئيس الجمهورية في تعيين ثُلث أعضائه، يعني أكثر من ثلثي المجلس (ملاكي ) .
المحور الحادي عشر: تعديل المادتين ( 138 ,141) وهي مواد خاصة بسلطات الحكومة (مجلس الوزراء) والهدف من التعديل إعطاء سلطات أوسع لمجلس الوزراء مع الرئيس (بعضها بالموافقة وبعضها بالرأي ) .
ملاحظة: رئيس الوزراء والوزراء ونوابهم يعينهم الرئيس ويعفيهم مَن مناصبهم الرئيس.
المحور الثاني عشر : تعديل المادة ( 161 ) وهذه المادة خاصة بنظام الإدارة المحلية- بهدف تعزيز نظام اللامركزية في الإدارة.
وهذا كلام دعائي محض؛ لأنه لو أُريدَ ذلك وقُصِدَ فعلاً إصلاحٌ سياسي للإدارة المحلية لأعطيت للمجالس المحلية حقوق الرقابة الفعالة من خلال تعديل قانون الإدارة المحلية، وهذا وحده يكفي.
المحور الثالث عشر : تعديل المادتين ) 173,179( المقصود بهما إلغاء المجلس الأعلى للهيئة القضائية وإلغاء نظام المدعي العام الاشتراكي ومحكمة القيم بزعم تحقيق استغلال القضاء.
وطبعًا- هذا تعديل شكلي وفارغ من أي مضمون- ويدخل في إطار المحور الأول (إلغاء كل الاشتراكي)، ولا علاقةَ له باستقلال القضاء بدليل:
1- المعركة الشرسة والقتال المستميت من الحزب الحاكم وحكومته أثناء مناقشة قانون السلطة القضائية والإصرار
التام على عدم تحقيق أي استقلال أو حصانة للقضاء.
2- إقصاء القضاء عن الإشراف على الانتخابات.
3- إعفاء رجال الأمن والضبطية القضائية من أي رقابةٍ للقضاء في حالاتِ القبض على الأفراد أو تفتيشهم وانتهاك
حرمة مساكنهم ومراقبة المكالمات والمكاتبات وخلافه دون إذنٍ قضائي كما سيرد في المحور القادم.
فأين دور القضاء في حماية الإرادة الشعبية للناخبين؟؟ وأين دور القضاء في حمايةِ الحقوق والحريات العامة؟؟! بل أين حصانة القضاء أصلاً واستقلاله؟؟ عبثًا يفعلون.
المحور الرابع عشر : إضافة نص ينظم حماية الدولة من الإرهاب وهو ما يُعدُّ مصيبةً كبرى على الوطن والمواطن؛ لأنه بموجب هذا التعديل يستحدث نص دستوري يسمح للأمن ورجال الضبط- أن ينتهكوا أحكام المواد (41/1 و44 و45/2) من الدستور، وهذا الانتهاك سيكون بمقتضى الدستور.
وهذه المواد هي المواد الخاصة (بالقبض والتفتيش وانتهاك حرمة المسكن أو انتهاك حرمة الحياة الخاصة ومراقبة الاتصالات والمكاتبات.. وخلافه، ذلك كله دون اشتراط إذن قضائي مسبق.
يعني تأسيس لنظامٍ سياسي جديد لا يعرفه العالم أجمع اسمه )الدولة البوليسية الدستورية ) .
المحور الخامس عشر:- تعديل المادة ( 205) وهذا التعديل : خاص بسريان المواد 62، 88 بعد تعديلها على مجلس الشورى (وهذه المواد خاصة بنظام الانتخاب) لثلثي أعضاء مجلس الشورى.
ملاحظة : مع الإبقاء على المادة 196 كما هي والتي تقضي بـ(حقِّ الرئيس في تعيين ثلث أعضاء المجلس )
ثانيًا: ما لم يطلبه الرئيس وكان ينتظره الشعب
لو كان المقصود من هذه التعديلات الإصلاح الدستوري والسياسي وهو مطلب شعبي يتمناه الجميع لأخذ في اعتباره ما يتمناه الجميع- وما كان ينتظره الجميع.
فقد كان ينتظر الجميع من الرئيس أن يطالب بالآتي:-
1- أن يطالب بتعديل المادة 76 سيئة السمعة؛ وذلك بإلغاء الموانع والقيود الواردة بتلك المادة، والتي تحرم
المستقلين من أي فرصةٍ للترشيح، وكذلك اللجنة الأسطورية صاحب الصلاحيات المقدسة المشرفة على
الانتخابات الرئاسية على نحوٍ يحقق انتخابٍ ديمقراطي وصحيحٍ لرئيس الدولة.
2- تعديل المادة 77 الخاصة بمدة الرئاسة.. فلا يصح أن يبقى رئيس الجمهورية (أبدي) نريد أن نرى الرئيس
السابق وليس الرئيس الراحل.
3- لماذا الإصرار على بقاءِ نسبة 50% عمال وفلاحين رغم طلب إلغاء كل المواد من جنس المكاسب الاشتراكية
(حوالي 11 مادة) .
4- لماذا لم يطالب الرئيس بتعديل المادة 183 من الدستور بقصر اختصاص القضاء العسكري بالشأن العسكري،
وعدم جواز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وفي غير الشأن العسكري.
5- لماذا لم يطلب الرئيس تعديل المادة 93 الخاصة بصحة العضوية بما يؤدي إلى احترام قرارات محكمة النقض
قمة الهرم القضائي المصري ولو بالنصِّ على تشكيل مجلس دستوري (من القضاة) للفصل في صحة العضوية
بدلاً من بدعة (المجلس سيد قراره).. أما وأنه لم يفعل إذْ ليس القصدُ إصلاحًا سياسيًّا ولا دستوريًّا.
فما المقصود إذًا
ثالثًا: النتائج
ومما سبق فإن المطالع لما طلب السيد الرئيس تعديله- وما لم يطلب تعديله- يستنتج بغير عمق ولا تفكير الآتي:-
أولاً: أنَّ هذه التعديلات قُصد بها احتكار مؤبد للسلطة؛ وذلك من خلال:-
أ - النظام الانتخابي المزمع اختياره.
ب- إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات.
ج- إسناد الإشراف على الانتخابات للجنة لها صلاحية وسلطات أسطورية ومقدسة، علمًا بأن هذه اللجنة يختارها
الحزب الحاكم لتشرف على انتخاباتِ الحزب نفسه المنافس الأكبر فيها (خصم وحكم ) .
د- الإبقاء على الموانع والقيود وحرمان المستقلين- الوارد بالمادة 76.
هـ- عدم تحديد أي مدةٍ لرئاسة الدولة- طالت أو قصرت.
و- حق رئيس الجمهورية في حلِّ مجلس الشعب- المنتخب من الشعب- دون استفتاء الشعب.
ثانيًا: أن هذه التعديلات قُصد بها تكريس سطوة رأس المال على الحكم؛ وذلك من خلال:-
أ- إلغاء كل ما يخص الاشتراكية والسلوك الاشتراكي والمكاسب الاشتراكية وتحالف قوى الشعب.
ب- الامتناع العمدي عن تحديد النظام الاقتصادي للدولة.
ج- إلغاء المدعي العام الاشتراكي ومحكمة القيم.
ثالثًا: مصادره الحريات العامة وتزييف إرادة الأمة؛ وذلك من خلال:-
أ- إقصاء القضاة من الإشراف على الانتخابات أو مراقبة أعمال الشرطة ورجال الضبط.
ب- تدشين نظام سياسي جديد اسمه (الدولة البوليسية الدستورية يقوم على إطلاق يد الشرطة في القبض والتفتيش والتنصت ومراقبة المكالمات والمراسلات وانتهاك حرمة المساكن والحياة الخاصة دون اشتراط إذن قضائي بذلك.
الأهم من كل ما تقدم
ما يمكن أن تُثيره هذه التعديلات من إثباتِ ما يُثيره البعض من شبهة (تبني الطائفية والعنصرية) استجابةً للضغوط الأمريكية بما يسمح بالفوضى الخلاقة في المجتمع المصري؛ وذلك من خلال:-
أ- إثارة قضية المواطنة واختصاصها بنص خاص (م1) رغم أن هذه القضية غير مثارة ومحل تسليم من الجميع،
ولا يوجد مصري واحد يختلف على مبدأ المواطنة.
ب- اتخاذ المواطنة هذه شعارًا لخلفية البيان الذي ألقاه رئيس الجمهورية بطلب التعديل الدستوري وكأنما قصد
بذلك رسالةً إعلاميةً وسياسيةً، والسؤال لمَن هذه الرسالة؟؟
ج- تبني سياسة تمييز عنصري للمرأة رغم أن ضعف مشاركة المرأة ليس مرجعة غياب النص الدستوري وإنما
مرجعه الفساد السياسي وضعف الحياة الحزبية.
د- الإبقاء على سياسةِ تمييز عنصري اشتراكي (50% للعمال والفلاحين) رغم إلغاء كل المواد المشابهة لهذه
المادة- مثل إلغاء المادة 179 والخاصة بنظام المدعي العام الاشتراكي بزعم أنه أدَّى دوره في حمايةِ الاقتصاد
الوطني في فترة كانت تستدعي وجوده - وهو نفس الكلام الذي قيل عند تبني نظام الـ50% بأن الفترة
الاشتراكية تستدعي وجوده.
هـ- الإقصاء الدستوري لمعظم التيارات السياسية المعارضة للنظام الحالي بموجب المواد ( 5 , 76 ) .
وأخيرًا لا نملك إلا أن نسأل الله السلامة لمصر ولمستقبل مصر والمصريين؟
----------
** عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين